Vcoderz Community - تحية.. إلى إشارات السير الضوئية

ربما يكون الإعلان عن بدء تشغيل إشارات المرور في الضاحية الجنوبية لبيروت، تزامناً مع بداية شهر رمضان، صدفةً. أو، لنفترض أنه كذلك، ولنقرر زيارة خاطفة إلى «المسرح»..
يبدو المشهد، معطوفاً على الفرحة العارمة من قبل الأهالي عموماً، جميلاً إلى حد ما: ابتسامات وتحيّات وتهاني متبادلة، ترافقها نظرات غريبة تجاه العمود الأسود، وفي أعلاه الدوائر الثلاث الملونة الأضواء.
إلا أنه، ما بين الفكرة الأولى، أي فكرة الإعلان القدرية، والمشهد السعيد، تكمن «نظريات» عدّة: أن يكون بدء التشغيل، تزامناً مع الشهر الكريم، متعمداً، وفيه رسالة تقول: إشارة المرور هدية ثمينة، وعليه فهي تحتاج إلى مناسبة عظيمة.
أما السعادة المفرطة فهي، مع بعض «الشطحات» التحليلية، متعددة في الأشكال ومتفاوتة في الأسباب: بين سعادة تهكمية، تصل إلى حد إرسال الرسائل الهاتفية القصيرة لمعايدة الأصدقاء، ليس بحلول شهر رمضان، بل بتشغيل الإشارات، وبين فرح مبطن مصدره الشعور بالمسؤولية والمساواة، وأخيراً.. النظام.
للصراحة، هو شعور لذيذ، أن تسير في الطرقات الرئيسية، في منطقة تعج بالسيارات والحافلات، الصغيرة منها والكبيرة، بهدوء منتظم. شعور يترافق تلقائياً، بشعور آخر، بأنك «بشري»، كمثل غيرك في شوارع البلد.
تحليل آخر: طيب، إذا سلمنا جدلاً بأن هذا العمود، بدوائره الثلاث، يفترض به أن يبعث هذه الأحاسيس، مجتمعةً، فما هي الأسباب التي تقف خلف العمود؟
هل يكون السبب الرئيسي ناجماً عن الفوضى «المهذبة» التي تطغى على بعض سائقي الضاحية الجنوبية؟ هل يكون «العطش» تجاه نظام عادل ـ على مستوى تنظيم السير ـ من أحد الأسباب المهمة؟ أو أنه، مثلاً، حاجة «ملحّة» لإكمال «البرستيج»؟
تحتاج الإجابة إلى جولة أخرى.. ليلاً هذه المرّة.
هي الساعة الواحدة مساءً. يقترب وقت «السحور» رويداً رويداً، بينما تعبر السيارة «أوتوستراد السيد هادي». تسير مجموعة من السيارات على الأوتوستراد بسرعة. لحظات وستصل إلى الإشارة الهدية. الطريق المقابلة لوجهة السيارات مقفرة. هو حافز لكي يتجاهل السائقون انتظار اللون الأخضر، بيد أن التوقعات هذه تبوء بالفشل.
تنتظر السيارات بهدوء، ثواني قليلة وتسير، بعد «إذن» العمود.
في الضفة المقابلة، تتجمع ثلة من الشبان أمام أحد الأفران المشهورة. البعض يهم بإحضار المناقيش، والبعض الآخر يتجاذب أطراف الحديث. والحديث، كما هو متوقع، لن يكون سوى عن هذه الإشارات الضوئية.
يستهل أحد الشبان كلامه بالتعبير عن فرحته، عقب رؤيته للأضواء الخضراء والحمراء. يقول للشلّة إنه ملّ من اللون البرتقالي الذي كان يباغته كل يوم، لأكثر من ثلاثة أشهر، هي فترة التجربة التي خضعت لها تلك الإشارات. «كنت حاسس أني مغبون يا زلمي.. بصراحة، كنت حس حالي ماشي بالصومال»، يقول مفجراً ضحكات الأصدقاء.
مغبون؟ وفي الصومال؟ حسناً، إحساس كهذا يمكن الاستفادة منه وضمّه إلى التحليلات السابقة.
وكزدورة أخيرة.. صباحاً.
تعلو أصوات أبواق السيارات. نحن على «تقاطع القائم». يقف شرطي السير تحت المركز الأسمنتي الخاص به. وفوق رأسه تماماً يظهر العمود الأسود، واقفاً كالنخلة. اللون أحمر. يأمر الشرطي، بواحدة من يديه السيارات بالوقوف، وبيده الثانية يسمح بالمرور. سحنات السائقين تشي بالاستغراب، ونظراتهم مصوّبة إلى «النخلة»، مع بعض الابتسامات الساخرة. تشق السيّارات طريقها، بينما يهمس سائق «فان»: «لك يا إنت (الشرطي) يا الإشارة.. «ثانك يو» ع كل حال..».
إما أنت.. أو الإشارة؟ تحليل آخر؟

جعفر العطار- جريدة "السفير"