Vcoderz Community - من الضاحية الى الحمرا ..حكاية طريق

من الضاحية الى الحمرا ..حكاية طريق !

تبدأ الحكاية عندما تجلس وقوفاً في احد فانات الرقم 4.. او بتعبير آخر فاللواء الرابع و هي التسمية التي يطلقها شباب الضاحية على وسائل النقل المشترك صاحبة الرقم 4 و التي تسلك طريقها الى الحمرا ذهاباً و اياباً بكلفة يجدها رواد الفانات مضحكة.. فالـ 750 تعني 1000 هذا طبقاً لحسابات السائق الذي نادراً ما تتوفر لديه الفكة لتكملة الحساب..و 250 على 250 بتجمّع...

لماذا اللواء الرابع؟.. لأنها هي هذه الفانات نفسها التي استعملت في نقل الحشود الغاضبة من الضاحية الى ميادين التراشق الطائفي و المناطقي في الأحداث الاخيرة.. فدرجت التسمية و درج معها منطق ساد عقول الشباب الضاحيوي ان رأسمال أي منطقة كي تسقط هو فانان من اللواء الرابع !!

تستقل بعفويتك المعتادة احدى هذه الفانات على انغام نداءات السائق "شو طالع" ..
تتقاسم المقعد او ما تبقى منه مع رجل يجلس كإمرأة حامل في الشهر الثامن.. تنتظر بضع من الوقت كي يكتمل عدد الركاب او حتى "تصير النقلة محرز" لا تخلو دقائق الانتظار القليلة هذه من تذمّر الركاب كما السائق.. فعلاقة الاثنين ببعضهما البعض لم تعرف يوماً معنى التراضي.. اذ ان الراكب دائماً مستعجل و الشوفير طافيها و عايش فيها...

تمضي دقائق الانتظار حتى يطل عليك " ابو علي" بلباسه العسكري الاسود و جهاز ارساله الموصول على موجة وهمية هي الاخرى لكنها كفيلة بإرسال بعض الوشات بين الحين و الآخر لتكمتل واقعية المشهد المصطنع.." ابوعلي" يعمل كمسؤول عن تنظيم الادوار في الموقف الوهمي على جانب الطريق بمدخول مغري 2000 على الفان ... و كعادته بعد القبض يأتي ليربت بيده على مؤخرة الفان و كأنه يضرب بقرة عنيدة و يصيح دون ان ينظر الى السائق حتى يلا الله معك اجا الفان التاني..

و ننطلق في رحلة العبور فوق حواجز الفصل على خط التماس الطبقي .. من الضاحية الى الحمرا..

قوس القزح هو التدرج البنيوي للحياة الاجتماعية على طول الطريق .. فالابنية تزداد ارتفعاً شيئاً فشيئاً و تتغير تزامناً معها موديلات السيارات صعودا بالسنوت من الادنى الى الاعلى .. و على العكس فتبدأ الثياب بالتقلص من الاعلى الى الادنى.. يختلف جذرياً المشهد حتى تصل الى العام 2007 فتشعر عندها انك عبرت الزمن مرة جدبدة .. بواسطة الفان رقم 4 او كما اسمبه انا.. آلة العبور من و الى الالفية الثالثة..

كل الاختلاف على طول الطريق قابل لأن " تبلعو" الا حين تطل من الجسر على مدينة سوليدير ..هنا لا يمكن الا ان تطلق للا اراديتك العنان و تنتطلق معها سيول الشتائم خاصة انك و مع كل طلة حتماً ستلاحظ ان هنالك شيئاً ما جديد في الصورة يدهشك الى حد الاستغراب من سخرية الواقع الذي رماك قسراً في بؤر الحرمان و اهداك وسيلة لتنتقل فيها نحو استكشاف لعالم بعيد عن عالمك كل البعد رغم قرب المسافة .. استكشاف لا يتعدى حدود المشاهدة او ربما التصفيق في افضل الاحوال..

من بعدها تستقبلك الحمرا بسحرها الخاص .. بلحظة يتغير كل شيء حتى طريقة ابتلاعك للهواء تختلف هي ايضاً .. الفان يبطء من سرعته ليسير بهدوء غريب.. يتوقف الركاب عن التذمر و حتى عن الكلام .. يلتهي كل منهم في اعادة ترتيب هندامه بعد طريق طويلة من التأرجح تناغماً مع صوت الراديو الذي يخفت هو ايضاً حدة نشاذه كما السائق الذي يطفىء سيجارته و تتغير لهجة تعاطيه مع الركاب و تظهر على ساحة التخاطب اللغوي بعض من مصطلحات " الكلسنة " المصطنعة مثل الميرسي و التانكس .. و الغود باي..

تمضي في الحمرا بعض من الوقت أسيراً لمصطلح "شكلو ضاحية" فضاحيويتك تصطحبك في عفوية كل حركة تقوم بها .. و تضعك في خانة الخارج عن قوانين البريستيج المعترف بها هناك.. فأنت مهما حاولت تبقى عابراً للزمن كما لجغرافيا الحياة الاجتماعية.. يلزمك كثير من الوقت للتأقلم ..

او ربما للهرب من جديد "الى ضاحية حياتهم المخملية"...

علي غملوش