هو عظيم آخر من بلادي بالأمس رحل. لملم منصور الرحباني أوراقه المبعثرة، جمع أفكاره، حصر إبداعه في حقيبة سفرته الأخيرة وارتفع. رحل بعدما ملأ لبنان والعالم شعرا وموسيقى وفنا وجمالا.
لقد ترك هذه الفانية بعدما نهلت قراها ومدنها ومسارحها من إبداعاته، فانتقل إلى العالم الثاني لينقش اسمه بأحرف من مجد وخلود.
هو ابن بلدة أنطلياس الساحلية، حيث تنشّق رائحة الليمون في الصباح، ونام في جوار الشلال يستمع إلى لحن المياه المتصاعد مع زقزقة العصافير. أحب هذه الأرض الطيبة، فانطلق منها إلى كل مكان.
ولم يمنعه الضجيج من سماع صوت موج البحر وهو يلامس أطراف مدينته.
إنه صورة عن لبنان الجميل، حيث الثقافة والفن. إنه المكان الذي تتحوّل فيه خشبة المسرح إلى مقصلة تقطع القيود، وإشعاع يمحو الظلمات، وأغنية وكلمات نرددها في كل حين.
منصور الرحباني، مثال آخر على أن البلدان تقاس بعظمائها. رحلتَ مع ساعات الفجر الأولى فبكاك لبنان، وكأني به يبكي الزمن الجميل.
يوم الجمعة، سيتسنى لنا إلقاء نظرة الوداع على نعشك، ولو عبر الشاشة الصغيرة. سيقلّدك رئيس الجمهورية اللبنانية بالطبع وساما جديدا. وأنت الذي تحوّل إلى أعظم وسام نعلّقه بفخر على صدورنا لنقول: نحن من لبنان. وطن جبران خليل جبران و"الأخوين الرحباني" وفيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين وشوشو... نحن من ذاك الوطن الذي إن عاندته الريح انكسرت واندثرت... وبقي هو.
لن نقول وداعا منصور الرحباني فأمثالك لا يموتون وأرض الفينيق تفتخر بهم...سنقول إلى اللقاء في العالم الثاني.
كبريال إدوار مراد
tayyar.org