ديانا سكيني-
لم يصمت الجنرال دهراً. لكن حديثه من أعالي نابيه المتنية ارخى مفاعيل الصدمة التي ترنو الى تسجيل فعل الاعتراض البرتقالي شديد اللهجة على المرحلة التي اتفق على تسميتها بمرحلة الوقت الضائع او اللاحكم او التهدئة الهشة.. وهي المرحلة التي تشهد تموضعات وتوزيع ادوار اقليمي و"ترويكات مبطنة" اثارت حفيظة العماد.
يوم اقنع حزب الله حليفه بجدوى عدم اعتراض تمرير حق العمل للاجئين الفلسطينيين في مجلس النواب، كان التيار يتجاوز على مضض ما يرى فيه تمهيدا استيعابيا للمخطط الاوسع المتصل بجعل التوطين امرا واقعا. كان يتجاوز قراءة سياسية لا تبتعد كثيرا عن قناعات حارة حريك التي لم تتجاوز بدورها، رغم دعمها الراسخ لمسألة الحقوق، أسئلة حول توقيت طرح الملف الفلسطيني الداخلي والرغبة الخارجية بتحريكه في لحظة التمهيد لانطلاقة المفاوضات المباشرة. تماما كما بقيت اسيرة الهواجس التي تحكي عن مشروع دولي ينشد اعادة تنظيم الوضع الطوائفي اللبناني وفق تركيبة تجعل البلد رهن خيارات استراتيجية ملحقة بما تسميه "المد العربي المعتدل".
التوقيف-الصاعقة
تنقل اوساط عونية ان مشاركة الجنرال والسيد الاخيرة لمعلومات حول "المخطط الذي يعتبر التوطين وضرب المقاومة من ابرز ركائزه"، لم تغير في حراك الثنائي المحكوم أصلا بهواجس المؤامرة المستهدفة للوجود والنفوذ لأسباب متصلة بالخيارات الكبرى وبلعبة السلطة.
في هذه الأثناء، جاء توقيف القيادي البارز في التيار فايز كرم كالصاعقة على الحزب والتيار معاً بما يحمله من حساسية مفرطة ومن مكامن استثمار توظيفية من قبل الخصوم.
تقول الاوساط أن زيارات حزب الله الى الرابية وكذلك الاتصالات المكثفة بين الطرفين بعيد التوقيف حملت ردا مباشرا من الحزب على الاقاويل المروجة لامكانية تزعزع العلاقة بين الطرفين على خلفية اعتقال كرم وما رافقه من حمى تسريبات وشائعات طالت بيئة التيار الوطني الحر، ولامست خطوطا حمر من خلال بث تساؤلات حول امكانية اقتراب هذا الاختراق الامني من الحزب عبر العلاقة مع مسؤولين من التيار. ناهيك عن الاقاويل المتناقلة عن ان "اثبات العمالة التي تعود الى ما قبل العام 2005 من شأنها ان تؤدي الى اصياد ثمينة".
تناهى للقيادة العونية أنه ومع حرص حزب الله على العلاقة الاستراتيجية مع التيار، فان الحزب لا يمكنه المجاراة او المسايرة الاعلامية في الحملة السياسية التي دشنها التيار اعتراضا على "ممارسات فرع المعلومات المرافقة للتوقيف لجهة المشروعية القانونية التي يفتقدها وإمعان الأخير في بث التسريبات الصحافية التي تنال من سمعة التيار". علما ان الحزب نقل لقيادة التيار تفهمه للهواجس من ابعاد التسييس وللمطالبة بانتقال التحقيق مع كرم من أيدي فرع المعلومات.
لحظة الهجوم
شرعت القيادة العونية بحملة سياسية على فرع المعلومات مدشنة مواكبة اعلامية لاعتقال فايز كرم من بوابة رفض "الابتزاز السياسي" واطلاق الاحكام المسبقة قبل انتهاء المحاكمة معتبرة اللحظة مناسبة للتذكير بعدم قانونية الفرع، في موازاة التركيز على الاوضاع الانسانية والصحية السيئة التي تسفر عن توقيف كرم في سجن الفرع في الاشرفية.
حتى إطلاق العماد عون هجومه على رئيس الجمهورية ووزراء الداخلية والعدل والاعلام امس الاول خلال زيارته الى نابيه، والذي لم يكن الاول بالمناسبة وانما الاكثر حدة، لم تكن مطالبات التيار حول ملف كرم قد وجدت آذانا صاغية عند المعنيين، "ومنهم رئيس الجمهورية"، تقول الاوساط التي تعلل "رفع العيار من قبل الجنرال" بأن "السكوت عن خرق القوانين والاصرار على محاولات الاعدام السياسي للتيار من قبل الفريق المتضرر من وجوده في المعادلة لم يعد يجوز السكوت عليه بعد اليوم" مضيفة ان "التيار لن يقبل التحول الى رقم صامت في المعادلة او الى شاهد زور او ان يسكت على عودة ترويكات التسويات على حساب التغيير والاصلاح وعلى قاعدة "مرقلي لمرقلك"".
ملف التعيينات
وهنا يشير ما تنقله الاوساط الى ان ادارة ملف التحقيق مع كرم ليست وحدها الشعرة الي قصمت ظهر البعير. تضرب الأوساط أمثلة عدة عن "محاولات التهميش التي يتعرض لها التيار"، وآخرها التعيينات القضائية المجتزأة التي كان التيار يصر على اجرائها دفعة واحدة، غير ان التصويت في مجلس الوزراء من قبل وزراء رئيس الجمهورية والاكثرية ووليد جنبلاط، "بمسايرة من نبيه بري" ادى الى تمريرها.
يثور التيار على سياسة التمرير التي تتم من "بوابة التسوية" غامزا من قناة الموازنة التي "يبدو رئيس الحكومة مشبعا بالثقة من قدرته على تمريرها في المجلس في التوقيت الذي يريد، متجاوزا الجهد الذي تقوم به لجنة المال والموازنة التي علا صوت رئيسها شاكيا عدم جدية التعاطي في دراسة بنود الموازنة". وتضيف "نحن لسنا ديكورا في الحكم نعمل ونكد في المجلس النيابي لطبخ وصياغة المشاريع الاصلاحية لتعود الامور وتمرر كما كان يحصل في السابق".
والى ذلك ترصد الاوساط العونية استهدافا لانجازات التيار في الحكم، وما "الاصرار على تلبيس وزير الطاقة والمياه جبران باسيل لاعباء ازمتي الكهرباء والمياه الا وسيلة لحجب الاصلاحات التي كان قد حققها نهج التيار في وزارة الاتصالات سابقا".
التزكية الإقليمية
واذا ما سألت الاوساط العونية مباشرة عن مغزى الهجوم الحاد على رئيس الجمهورية، ستعلله الاجابة "بالدور المتراخي للرئاسة الاولى في لعبة الحكم واتكائها على مشهد التسويات لاتمام تعيينات جزئية والاكتفاء بادارة طاولة حوار عبثية (لم يحضر عون آخرها لدواع صحية) وباجراء اتصالات لتخفيف الاحتقان بعد كل مشهد توتير" مضيفة ان "المطلوب هو دور اكثر فعالية للرئيس الذي عليه اتخاذ القرارات الاصلاحية الجريئة في الادارات والمؤسسات".
تبدي الاوساط العونية امتعاضها مما تصفه بـ "استدعاء الوصايات من جديد بسبب قصر النظر وسوء الادارة الداخلية". ولا تخفي هواجسها من افراز هذا الاستدعاء لـ "خريطة نفوذ داخلي في السلطة تحافظ على شبكة مصالحها الضيقة وتصنع تسوياتها البينية تحت شعار تسيير الحكم بانتظار جلاء الازمات الكبرى"، غامزة من قناة العلاقة التبادلية الناشئة بين بعبدا وعين التين والمختارة، والمتقاطعة مع بيت الوسط، في ادارتها اليومية للحكم في البلاد.
وهنا ثمة من يرى ان مكمن الاعتراض البرتقالي "شديد اللهجة" ينشأ في توقيته من تزكية اقليمية سورية وسعودية لدور رئاسة الجمهورية بما هي اداة اخراجية لتنفيس الاحتقان السني الشيعي في البلاد، ومن ارادة في ترسيخ نفوذها داخل مؤسسات الدولة لضمانة سقف الاستقرار المطلوب على هشاشته.
أسئلة صعبة
وفي الموازاة يطل البعض في تحليله لمواقف الجنرال الصاخبة على مراقبة الرجل اخيرا رعاية الرئيس الماروني لمصالحة بريح التي نامت دهرا ولم تستيقظ الا بقرار من المختارة، وعلى مواجهته الاسئلة الصعبة من القاعدة الشعبية على خلفية مشهد برج ابي حيدر الذي لامست رصاصاته حدود السوديكو، كما على مواكبته لحملة حزب الله على المحكمة الدولية والقرار الظني واتخاذه مواقف متقدمة في ملف المطالبة بمحاكمة شهود الزور، ليستنتج اقتناع الرجل بانعدام الأدوات الكفيلة بتغيير مجرى الاستقطاب السني الشيعي في اللعبة الداخلية. وهو الاستقطاب الذي يجعل المعادلة المسيحية على شيء من الهامشية التي تتيح للخارج تبني حصر الاهتمام بالواجهة التوافقية واعطائها الزخم اللازم ..
صدى الصوت
أما وان قرر السنة والشيعة الصمت في "هدنة" عيد الفطر، فان الفراغ يجعل لصدى الصوت الماروني "المعترض" أثراً "تذكيريا" يحاكي مخيلات القاعدة المحبطة من الذوبان المتمادي لمشروع الدولة والاصلاح والتغيير في آتون معارك الحلفاء والخصوم الساخنة، تماما كما يطمح هذا الصوت العالي الى هز عرش مربعات نفوذ داخلية زكتها معادلات اقليمية "صادقت الجنرال دون ان تنصفه"..