Source: wa3ad.org
-------------------
دعاه الى "اهمالهما" وروى له "ممارسات خطيرة" لحود في رسالة الى الامين العام للامم المتحدة:كتابا السنيورة صادران عن غير ذي صفة ويتضمنان مغالطات واقعية ودستورية مضللــة
وفي ما يلي نص رسالة الرئيس لحود الى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون التي ارفقت بنصوص المادتين 52 و53 من الدستور اللبناني:
"سعادة السيد بان كي مون المحترم
أمين عام منظمة الأمم المتحدة
سعادة الأمين العام، معتمداً على كتابكم الموجّه إليّ بتاريخ 2 كانون الثاني 2007 والذي أبديتم فيه، بمناسبة تولّيكم منصبكم أميناً عاماً للأمم المتحدة، تصميمكم على القيام بكل ما في وسعكم كي تكون الأمم المتحدة على مستوى الآمال المعلقة عليها من الدول الأعضاء، وسعادتكم بأن تعملون لأجل ذلك بتعاون وثيق وشراكة تامة معي، وإلتزامكم خدمة المنظّمة الدولية وشرعتها والدول الأعضاء كي يكون صوت كل منها مسموعاً، في زمن يعرف فيه العالم أزمات حادّة وتواجه فيه الأمم المتحدة تزايداً لا مثيل له في نشاطات الحفاظ على السلام وتدعيمه وإلتزام معالجة الأزمات بكل مراحلها، وتأكيدكم أنه آن الآوان لعهد جديد في العلاقات بين الأمانة العامة والدول الأعضاء لا يقابل فيه دور المنظمة بحذر أو توجّس، فتلبّون في ذلك تطلّعات الكثيرين في العالم وأمانيهم المعلّقة على الأمم المتحدة.
ولمّا كان شرّفني أن أشاطركم هذه الرؤية وأتمنى حرصكم وإستعدادكم للتعاون الوثيق لإنجاح مهمّتكم في خدمة القضايا العالقة وإحلال السلام والأمن حيث يتربّص بهما أي تهديد، وذلك في معرض رسالتي الجوابية إليكم تاريخ 22 كانون الثاني 2007، والتي أكّدت فيها لسعادتكم أن لبنان يتطلّع إلى الأمم المتحدة كضامنة للسلام الحقيقي وراعية للحق الدولي دون إستضعاف أحد أو إستفراده.
وعطفاً على الكتب التي سبق أن أرسلتها إلى سلفكم السيّد كوفي أنان بتواريخ 14/11/2006 و24/11/2006 و9/12/2006 بشأن مشروع الإتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية في شأن إنشاء محكمة خاصة ذات طابع دولي، والتي أحيلكم إليها جميعها بكل إحترام. وقد أبديت فيها أني كنت أول المطالبين الرسميين اللبنانيين بالعودة إلى إجراء تحقيق دولي فور حصول جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وشرحت تفصيلاً الخروقات الدستورية بموضوع التفاوض حول المحكمة المذكورة وطريقة إقرار مشروعها.
وبما أنه قد تبادر إلى علمي بتاريخ اليوم أن رئيس الحكومة اللبنانية الساقط شرعياً السيّد فؤاد السنيورة، وهي حكومة أضحت فاقدة للشرعية الدستورية والميثاقية، قد وجّه إليكم، دون علمي ومواربة كتابين، الأول بتاريخ 8 كانون الثاني 2007، والثاني بتاريخ 30 كانون الثاني 2007، بالموضوع أعلاه، صادرين عن غير ذي صفة ومتضمّنين مغالطات واقعية ودستورية مضلّلة، وحاملين في طياتهما بذور فتنة تزيد من حدّة الأزمة الكيانية الخطيرة التي تعصف ببلدي لبنان وتهدّد السلام والأمن فيه على نحو غير مسبوق، مما حملني على توجيه هذا الكتاب إليكم فور علمي بالكتابين المذكورين ومضامينهما ومقاصدهما والمخاطر الناجمة عنهما، بحيث أدعوكم إلى إهمالهما كلّياً وأخذ العبر منهما تمكيناً لكم من توصيف الأزمة اللبنانية بصورة دقيقة في منطلقاتها وأسبابها وأشكالها ومراميها ومخاطرها والتدخّلات الخارجية لإذكائها وإنتهاك سيادة لبنان وشعبه وإعادة الوطن ساحة عنف وإقتتال، وهو خارج من حرب مدمّرة، بينما هو مساحة تلاقٍ وألفة ورسالة تعايش ومحبّة على ما يصبو إليه.
وبما أن الدستور اللبناني قد جعل من رئيس الجمهورية رئيساً للدولة ورمزاً لوحدة الوطن وساهراً على إحترام أحكام الدستور وعلى سلامة أرضه وشعبه، كما ناط به، من موقعه ودوره أعلاه، مخاطبة الدول والمنظّمات الدولية في علاقات لبنان الخارجية وتولّي المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية، وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة، كما وإعتماد السفراء وقبول إعتمادهم.
- ربطاً نص المادتين 52 و53 من الدستور اللبناني.
وبما أنه سبق لرئيس مجلس الأمن وأعضائه والأمين العام سلفكم أن أبدوا حرصهم على وجوب التقيّد بأحكام الدستور اللبناني عند عقد المعاهدة الدولية المتعلّقة بالمحكمة الخاصة، وهذا ما لم يحصل، على خلاف ما يزعمه رئيس الحكومة الساقط شرعياً السيّد فؤاد السنيورة في كتابيه إليكم المشار إليهما أعلاه، بل تمّ إنتهاك الدستور من قبل سلطة لم تعد تتمتّع بأهلية السلطة الإجرائية وقد أضحت سلطة مغتصبة، فلم تحترم آلية عقد المعاهدات الدولية المنصوص عنها في الدستور بل تجاوزتها واختزلتها وأزالت في ذلك إختصاصات دستورية محجوزة لرئيس الدولة ولمجلس النواب، وعندما فقدت شرعيتها الدستورية والميثاقية بنتيجة تغييب طائفة وازنة بأكملها عنها وإستبعادها، إستمرّت في اغتصاب السلطة غير آبهة بعواقب هذا الإستمرار على الكيان اللبناني والعيش المشترك الذي إرتضته طوائفه جميعاً في وثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف).
وبما أن إنتهاك الدستور في مسألة إقرار مشروع الإتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان بشأن المحكمة الخاصة تمّ على مراحل متسارعة وبأشكال مختلفة وملتبسة عزّزت الهواجس والتوجّسات من أهداف إنشاء مثل هذه المحكمة التي يُنتظر منها معرفة الحقيقة في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، وليس على الإطلاق توسّلها لغايات سياسية بعيدة كل البعد عن مقتضيات العدالة بمفهوم القرار الأممي رقم 1664 (2006) الذي أشار صراحة إلى وجوب "إعتماد أعلى المعايير الدولية في مجال العدل الجنائي" عند إنشاء هذه المحكمة وممارستها لعملها، فأين نحن منها اليوم وقد أضحت المحكمة التي يلوّحون بها مسخاً عن عدالة لن تأتي بها، وقد أمعنوا في تخريبها، وأدخلوها إلى صلب الأزمة الداخلية اللبنانية كوسيلة تهديد وإقتصاص وضغط ومساومة للإحتفاظ بمكاسب سياسية وتصفية حسابات إقليمية لا قدرة لبلدي لبنان على تحمّل نتائجها، وهو الذي إرتضى العدالة الدولية لإحقاق الحق وليس لإشعال فتيل الفتنة في ربوعه ومحيطه.
وإنني أرغب في إحاطتكم ببعض الممارسات الدستورية الخطيرة التي واكبت ما يسمى إقرار اتفاق المحكمة في كتابي رئيس الحكومة الساقط شرعياً السيّد فؤاد السنيورة كالتالي:
1- لم يحصل أي تفاوض معي في مراحل التفاوض الأولى في شأن المحكمة الخاصة ولم أتبلّغ أي مضمون، كما هي الحال بالنسبة للكتابين أعلاه، للنقاط المثارة خلال إجتماعات العمل التي جرت في معرض هذا التفاوض الذي يجب أن أشرف عليه شخصياً وأتولاه عملاً بنص المادة 52 من الدستور. وقد سارعت إلى إبداء ملاحظاتي الخطّية على مشروعي الإتفاق ونظام المحكمة المرفق به فور إبلاغي مسودّة عنهما، وأبلغت رئيس الحكومة في حينه السيّد فؤاد السنيورة مضمون هذه الملاحظات، فتجاهلها ولم يتشاور معي بشأنها ولم يحصل بالتالي أي إتفاق بيني وبينه بهذا الموضوع كي تصح إحالته في حينه إلى مجلس الوزراء لإقراره، وبالرغم من ذلك تمّ عرضه على "مجلس الوزراء" في مرحلة لاحقة وكان قد أضحى غير قائم دستورياً وميثاقياً على ما سأبيّن أدناه.
2- فقدت الحكومة شرعيّتها الدستورية والميثاقية بإستقالة جميع وزرائها من طائفة كبرى معينة منها بتاريخ 11 تشرين الثاني 2006، فأضحت سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك الذي هو مرتكز دستوري وميثاقي أقرّه اللبنانيـون جميعاً في الطائف وأقاموا عليه نظام لبنان الديموقراطي الميثاقي، وهو من أسمى أنواع الأنظمة الديموقراطية لأنه يتجاوز غلبة العدد (الديموقراطية العددية) أو توافق الطوائف العابر (الديموقراطية الطوائفية أو التوافقية) إلى ما يُسمّى "العقد الوطني" أو "الميثاق" أي إجماع الشعب على نظام سياسي في محطّة حاسمة من تاريخه، يضع حدّاً لمآسيه (حروب لبنان) ويؤسّس لمستقبل آمن ومزدهر.
وقد ورد هذا المبدأ الميثاقي في الفقرة "ي" من مقدّمة الدستور التي تنصّ على أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، هذا المبدأ الذي وجد صداه في متن الدستور (المادة 95) بالنسبة للحكومة، إذ نصّت هذه المادة على أن "تُمثّل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة ".
وبالتالي أضحت الحكومة فاقدة للشرعية الدستورية والميثاقية وغير مؤهّلة دستورياً لإتخاذ أي قرار في شأن المحكمة المذكورة، على إفتراض أن مجلس الوزراء قد قيّض له أن يمارس إختصاصه بهذا الشأن بعد التأكّد من حصول الإنبرام الرئاسي للمعاهدة الدولية بشأن المحكمة، حيث لم يحصل أي تشاور أو توافق أو إنبرام بيني، بصفتي رئيساً للدولة، وبين رئيس الحكومة في حينه، فيكون آنذاك القرار المتخذ بتاريخ 13/11/2006 بالموافقة على مشروع الإتفاق والنظام المرفق به، وكل قرار لاحق له، باطلاً وبحكم غير الموجود.
3- أما وقد استمرّت الحكومة المغتصبة للسلطة الإجرائية في الإمعان في خرق الدستور وهدم مداميك الوطن وضرب وحدته وتهديد كيانه وفرز شعبه وتذكية الفتنة في ربوعه ومحيطه الإقليمي، فكان لها ما أرادت من الخروج عن الدستور كلّياً وتجاوز فاضح لإختصاصات كل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب، الذي هو السلطة المحورية في نظامنا الديموقراطي البرلماني، فأصدرت مرسوماً بالموافقة على الإتفاق الدولي والنظام المرفق به غير مذيّل بتوقيع رئيس الجمهورية ونشرته في الجريدة الرسمية خلافاً للأصول الدستورية، وأحالت بموجبه مشروع القانون إلى مجلس النواب دون موافقة رئيس الجمهورية، فلم تتمّ الإحالة بصورة دستورية خلافاً للمادة 53 الفقرة 6 من الدستور المرفق نصها ربطاً، حتى أن مشروع القانون لم يصل عملياً إلى الأمانة العامة لمجلس النواب.
كل ذلك كي يتصوّر المجتمع الدولي أن هنالك من يعرقل العدالة الدولية في لبنان، وتحديداً رئيس الدولة وطائفة بأكملها من طوائف لبنان، عريقة في تجذّرها الوطني وحفاظها على حياض الوطن وكرامة الشعب، ووازنة في عددها ومسؤولياتها الوطنية، وإليها ينتمي رئيس مجلس النواب بحسب الميثاق، والذي يعمل جاهداً كي يظل هذا المجلس بمنأى عن التجاذبات السياسية كي يبقى مساحة للحوار والتلاقي، وهو المستهدف أيضاً من كتابي رئيس الحكومة الساقط شرعياً السيّد فؤاد السنيورة الموجّهين لكم في 8/1/2007 و30/1/2007، وفي ذلك تضليل كبير والتفاف على الواقع وعلى الأحكام الدستورية والميثاقية وعلى وحدة الوطن الذي تتمتّع كل طوائفه على إختلافها بمآثر وطنية كبيرة وتتساوى فيما بينها في عطاءاتها له على تنوّعها وبمعزل عن أعداد كل منها، فتمَّ تجاوز أي اعتبار ديموغرافي عند إعتماد وثيقة الوفاق الوطني كي تستقيم الديموقراطية الميثاقية على أسس جديدة وواضحة لا يمكن لأحد المس بها والتلاعب بمقوّماتها تحت طائلة ضرب الوفاق الوطني وإشعال نار الحرب الأهلية التي ذاق لبنان سمومها وعانى منها وهو يجهد كي لا يقع في مهالكها من جديد.
4- إنَّ الهدف من كتابي رئيس الحكومة الساقط شرعياً فؤاد السنيورة هو تحضير الأجواء وخلق الإلتباس والشك في المرجعية الدولية التي تحرصون عليها وعلى دورها وعلى رسالتها الفريدة في تاريخ البشرية على ما أوردتم في كتابكم الموجّه لي، كي يضع مجلس الأمن يده من جديد على الموضوع وينشئ المحكمة بصيغتها الحالية الهشّة والخطيرة تحت الفصل السابع، فيأتي ليضيف في حدّة الأزمة اللبنانية وخطورة الأوضاع الإقليمية، وتنفجر الصراعات عنفاً واقتتالاً في ربوع الوطن لبنان، مع الإرتدادات الإقليمية، ويزول لبنان - الرسالة في أول عهدكم في رعاية السلم والأمن الدوليين وحقوق الإنسان ومصائر الشعوب المغلوب على أمرها وسيادة الدول والشعوب التي هي إمتداد طبيعي للشرعية الدولية.
سعادة الأمين العام، إني أتوجّه إليكم صادقاً وملحاحاً كي تساهموا معي، في إطار التعاون الوثيق والشراكة التامة التي أبديتم حرصكم على إرسائها فيما بيننا، وتحقيقاً لمقاصد الأمم المتحدة بالحفاظ على السلام والأمن الأهليين وعلى العدالة حيث يطاولهـا أي تهديد جدّي، في أن نوفّر معاً على وطني لبنان ما يتهدّده من مخاطر جمّة أشرت إليها وإلى بواعثها وأشكالها وآثارها في متن هذا الكتاب - الوديعة لديكم - وأنا على يقين بأنكم ستسهرون على التحقّق من عدم إنتهاك دستور البلاد في اللجوء إلى العدالة الدولية وعدم تعريض وحدة الوطن والشعب إلى التشرذم والإنقسام والإقتتال عن طريق توسّل وسائل زاجرة لفرض عدالة مسيّسة على لبنان تغيب معها الحقيقة المجرّدة ويضحي معها البلد ساحة مفتوحة على كل الإحتمالات.
وإني إذ أسعى بمساندتكم، التي لا أشك بأنكم سوف لا تألون جهداً لتوفيرها، إلى تصحيح الخلل في تطبيق الآلية الدستورية لإعتماد طوعي للمعاهدات الدولية في شأن المحكمة ونظامها إحقاقاً للعدل ليس إلا، أرجو إعتبار هذا الكتاب بمثابة وثيقة رسمية برسم أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة عملاً بأحكام ميثاقها، آملاً في الوقت ذاته أن يلقى هذا الكتاب صداه الحقيقي ومداه الكامل لدى سعادتكم.
وتفضلوا سعادة الامين العام بقبول فائق الاحترام.