سخّرت الوصاية السورية على لبنان جميع الفئات السياسية اللبنانية من اجل العمل لصالحها وتعميق نفوذها في لبنان وذلك من خلال القفز فوق تنفيذ البنود السيادية التي نص عليها اتفاق الطائف. وانتجت هذه السياسة «الانرشية» التي اعتمدتها المخابرات السورية مزيداً من الانقسامات الداخلية حول عملية تقاسم النفوذ والمغانم. واستمرت هذه السياسة السورية في نجاحاتها الى حين حدث تناقض اساسي بين المصالح والاولويات السورية وتلك الخاصة بسياسة بعض الدول الغربية في المنطقة، وفي لبنان وخصوصاً كل من الولايات المتحدة وفرنسا: فكان القرار 1959
جاءت عملية اغتيال الرئيس الحريري لتشكل زلزالاً مدوياً، لم يستطع الوجود السوري مقاومة اخطاره فقرر الانسحاب من لبنان في نيسان 2005.
ادى الانسحاب السوري الى انكشاف الوضع الامني، فسقط لبنان ضحية مسلسل من الجرائم الارهابية المتواصلة، التي كان آخرها العملية الارهابية ضد حافلتين للركاب في عين علق، والتي هدفت الى زرع مزيد من الشك حول قدرة الاجهزة الامنية في وقف مسلسل الرعب، خصوصاً انها قد جاءت بعد عملية اغتيال الوزير بيار الجميل في وضح النهار على يد مجموعة مسلحة تمكنت من الفرار، من دون ان تستطيع الاجهزة الامنية كشف هوية اي من المشاركين فيها.
لم تكن السلطة السياسية على المستوى اللازم من المسؤولية والوعي السياسيين لمواجهة وضع الانكشاف الامني الذي تعرّض له لبنان، وذلك بالرغم من استهداف المسلسل الارهابي لاهم الرموز في القيادات السياسية والاعلامية. ولم تبد السلطة السياسية اي ردة فعل تتناسب وحجم التهديدات وخطورتها، خصوصاً بعد الجريمتين الاخيرتين اللتين ارتكبتا في وضح النهار وفي مناطق مأهولة وعلى طرق رئيسية.
كانت هناك مبادرة مجتزأة من قبل الحكومة لدراسة امكانية تعزيز الوضع الامني، ولكنها انتهت بقرارات ادارية لا تتعدى اجراء تشكيلات بين رؤساء بعض الاجهزة الامنية، وقرار بزيادة عديد القوات المسلحة واجهزة الامن الداخلي. واختبأت السلطة السياسية بعد ادراكها لقصور رؤيتها وتدابيرها الامنية وراء القرارات الدولية المتتالية باحالة كل الجرائم المرتكبة امام لجنة التحقيق الدولية.
وهكذا نرى ان الدولة المنقسمة على ذاتها قد تخلّت عن اهم واجباتها المتعلقة بتحقيق الاستقرار العام او الامن لمواطنيها. كما اننا نرى حرص حكومة الاكثرية النيابية المستمرة في ممارسة سلطاتها، على التمسك بحقوقها الدستورية انطلاقاً من الثقة النيابية التي سبق وحصلت عليها، فيما هي تتنكر لمسؤولياتها في تحقيق الأمن، او حتى البحث في بناء رؤية امنية جديدة تهدف الى اصلاح النظام الامني وتفعيله.
في خضم هذه المرحلة من الضياع لكل حدود المسؤولية عما يرتكب من جرائم بشعة اطلق نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع الياس المر صرخة حول ضرورة اصلاح الاجهزة الامنية، متبرعا بالقيام بهذه المهمة «الشاقة» نيابة عن هذه الحكومة «العاجزة» حتى عن الاقرار بمسؤوليتها عن قضية الامن والتي هي من أهم الوظائف التي يفترض ان تضطلع بها السلطة.