سرعان ما تحولت هذه الصرخة تحت وابل الانتقادات لتجاوز الوزير لصلاحياته ومسؤولياته، الى اعلان بالتراجع عن الدعوة الاصلاحية، مترافقة مع شبه اعتذار، وتأكيد على انضباطية مطلقها كعضو في الحكومة، التي تملك مجتمعة مثل هذا الحق في اتخاذ القرارات التنظيمية والاصلاحية الكبرى.
تواجه الدولة اللبنانية في الظروف الراهنة ازمة مثلثة الابعاد: فهناك حالة الانقسام السياسي الحاصل بين المعارضة والحكومة المدعومة من اكثرية 14 آذار، ويفتح هذا الانقسام جميع ابواب البلد لتدخل جهات اجنبية تعمل جميعها على اشاعة اجواء من التنافر السياسي وعدم الاستقرار الأمني، وبالتالي ترك الساحة مكشوفة لشتى الاختراقات الامنية. وهناك ايضا مشكلة تقاسم مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الامنية بين هذه القوى السياسية المنقسمة في رؤيتها المستقبلية للأمن الوطني بشقيه الداخلي والخارجي.
ويشكل العجز الاستعلامي والعملاني لكل الاجهزة الامنية البعد الثالث لهذه الازمة. ولا يبدو ان هناك اي فرصة سانحة لمعالجة اي من هذه الابعاد في ظل الحكومة الراهنة، وذلك لعدم توافر النيات لدى القائمين عليها، ولعدم توافر الظروف الموضوعية لاي اصلاح لقطاع الامن.
ان لبنان هو بحاجة ماسة لاعتماد نهج شامل ومتماسك ومنسق لاصلاح قطاع الامن. ولا بد من ان تعي القيادات السياسية اهمية هذا الاصلاح، على انه الطريق الى السلم والاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة وفرض حكم القانون والادارة الرشيدة واحترام الحريات وحقوق الانسان. في ضوء هذا العرض نتساءل: هل يمكن ان تبقى المصالح الخاصة للقيادات في الحكومة والمعارضة متقدمة على أرواح المواطنين وسلامتهم ؟ وهل يبقى مجلس النواب «شاهد زور» على قتل الابرياء؟