Otv Intro

[Jess]

وفي اليومِ الثالث من زمَنِ الفرمانِ الحريري، سقطت كلُّ الأقنعة. فما كان بالأمس معلوماتٍ مؤكَّدَة لدى المعارضة، صارَ اليومَ اعترافاتٍ موثَّقَةً من قِبَلِ السلطة: إذا لم يَرضَخوا للفرمان، وإذا لم تُذعِن الرئاسَةُ وتَبصُم عليه، يعتذر الحريري، ثم يُكلَّفُ مجدداً. لكن من دون صيغة 15-10-5. هكذا قال أحدُ نوابِ المستقبل. وماذا إذا لم تنجحْ هذه الخطةُ البديلة؟ عندها، الشارعُ بالشارع، والتعبئةُ بالتعبئة، والبادي أظلم، وزمنُ 7 أيار ولَّى الى غيرِ رجعَة، كما قالَ نائبٌ مستقبليٌّ آخر. من دونِ أن ننسى أنَّ هذا الكلامَ الحريري المسالم، صدرَ في مناسبَةٍ تربوية، وَفقَ المفهومِ المستقبلي للتربية.

وبين انكشافِ النياتِ الحريرية، والتوتُرِ الإقليمي، لم يجد الحريري مَن يسانِدُه، غيرَ...أهل بيته. فيما الآخرون مستهجِنَون. وليد جنبلاط معترِض. وغازي العريضي عاد فوراً من الرياض الى عين التينة هذا المساء، لإكمالِ المسعى الجنبلاطي السعودي لتصحيحِ ما أفسَدَهُ السعد. نبيه بري ممتَعِض. وتحفظاتُ الثنائيَّةِ الشيعية على مضمونِ الفرمان الحريري وشكلِه، أكبرُ من تحفظاتِ تكتلِ التغيير والإصلاح، كما أكد ممثلا أمل وحزبِ الله لرئيسِ الجمهورية. والأهم أنَّ الرئيسَ نفسَهُ رافضٌ لما أقدَمَ عليه الحريري، ومتفهِّمٌ لموقِفِ المعارَضة، ومتجاوبٌ وضامنٌ للوفاقِ والوحدة.
هكذا عادت الكرةُ الى الحريري. وَسْطَ معلوماتٍ تُفيدُ أنه أدركَ الخطأَ الذي ارتكَبَه. وهو ما دَفَعَهُ الى التفكيرِ في القيامِ بخطوةٍ مُرتَقَبَة هذا المساء، كما رجَّحَت أوساطٌ قريبةٌ منه. وذلك لتنفيسِ الأجواء، والعودة الى ما قبلَ دَعْسَتِهِ الناقصة.

أما الوقائعُ الكاملة لتطوراتِ هذا النهار، فبدايَتُها من لقاءِ وفدِ المعارضة مع رئيسِ الجمهورية بعد الظهر، في قصر بيت الدين.

[Jess]

إلى أين بعد الإعتذار؟



فَعَلَها مرتَين سعد الدين الحريري. في الاولى، قدَّمَ تشكيلَتَهُ الحكومية متجاهِلاً موقِفَ المعارضة، غَداةَ اجتماعِهِ مع زلماي خليل زاده. وفي الثانية، اعتذرَ فجأةً عن التكليف، واضعاً حداً لكلِّ الوساطاتِ التي كانت لتَجِدَ ارضيَّةً مشتركة بين الفريقَين.

فلا وساطة رئيس الجمهورية، ولا مساعي رئيس المجلس النيابي، ولا مكوكيَّة وليد جنبلاط الاخيرة أثمرت تحلحُلَ قيدَ أُنملَة في المواقِفِ الحريرية، لا بل على العكس، زاد التصلُّبُ تصلباً.
واذا كان الاعتذارُ وضع نقطةً نهائيَّةً لكلِّ المرونَةِ السابقة، في عودَةٍ الى الصفر، والى ما دونَه ربما، فإنَّ وزارَةَ الاتصالات باتت محورَ الحكومَةِ العتيدة برمَّتِها بعدما فتحت محطةُ الباروك صندوقَ باندورا، كاشِفَةً عن فضيحَةِ التخابر مع اسرائيل.
فالمعارضة تعتبر أنَّ انتزاعَ الاتصالات منها يُشبِهُ القرارَين الشهيرَين في الخامس من أيار ، فيما الموالاةُ تتعنَّتُ بالقول إنَّ عدمَ استردادِها كأنه السابع من أيار ايضاً.

وبين الخامِسِ والسابع، دخلت البلادُ في نَفَقٍ اسودَ، مَخرجُهُ يكمُنُ في مسلكَين، لا ثالث لهما:
إما يَصدُق الحديثُ الدبلوماسي الفرنسي في تسميَةِ غير سعد الدين الحريري لتشكيلِ الحكومَةِ المقبلة. وإما يُعادُ تكليفُ الحريري وأمامَهُ خياراتٌ ثلاثة: العودةُ بحكومَةٍ صَبْغَتُها من لونٍ واحد، وأرضيَّتُها لا تشبِهُ أيَّ جزءٍ من طَرْحِهِ الحكومي الاخير. تشكيلُ حكومة تكنوقراط صَرْف، أو في الخيارِ الثالث، حكومةُ اقطاب.

وفي الخياراتِ السابقة، أكانَ مع الحريري او من دونِه، فإنَّ النفَقَ يبقى مُظلِماً ومجهولَ المَخرَج حتى تُفرَجَ داخلياً او تنفرِجَ الاستحقاقاتُ الاقليمية. واذا كان رئيسُ الجمهورية مصمِّماً على عدمِ التراجُعِ عن موقِفِهِ الرافِض للتوقيع على أيِّ تشكيلةٍ حكومية تَقفِزُ فوقَ مبدأ الوحدَةِ الوطنية، فإن التحركَ العربي لن يَنشَطَ قبل النصفِ الثاني من الشهر، أكانَ لجهَّةِ زيارَةِ الرئيس السوري الى الكويت، أم انعقاد قمة الرياض.
والى ذلك الحين، فإنَّ الاستشاراتِ النيابيَّةَ حتميَّةٌ في القصر الجمهوري. ومِنَ المقر الصيفي للرئاسة البداية.

[Jess]

ماذا فعل الحريري؟ كثيرون يعتقدون، أن أحداً لا يملك الجوابَ على هذا السؤال. حتى الحريري نفسه، لا يعرف ماذا فعل، ولا لماذا، ولا ماذا بعدَ ما أقدمَ عليه. نظرياً، الثلثاء المقبل تعود الاستشاراتُ النيابية لتسمية رئيسٍ مكلفٍ ثانٍ، بتشكيل الحكومة. والإحتمالات هي كالآتي:
أولاً، أن يُسمى شخصٌ آخر غير الحريري. حظوظُ هذا الاحتمال قليلة. لكنه قائم. بدليل كلام بعض الصحافة السعودية، عن أن الأكثرية النيابية قد تسمي الحريري أو شخصية أخرى منتمية اليها. وبدليل تلميع بعض الشخصيات السنية لصورتها المتشددة أو حتى الأصولية. فنجيب ميقاتي ومحمد الصفدي مثلاً، لم تعد مواقفهما تميز هذه الأيام، عن مواقف الجوزو أو الشهال.

ثانياً، أن يسمى الحريري. وهنا ثمة صيغ عدة: إما سعيه الى حكومة من لون واحد. وإما سعيه الى حكومة تكنوقراط. وإما محاولة تشكيل حكومة أقطاب. وإما أخيراً العودة الى اللحظة التي سبقت تفجير الحريري لتكليفه الأول، يوم الاثنين الماضي. علماً أن التدقيق البسيط في الاحتمالات المذكورة كافة، يشير الى أن العودة على بدء، هي المرجحة. فالعائلة السعودية لن تسمح بهذه النكسة المبكرة لواحد من رعاياها النجباء. ورئيس الجمهورية لن يسمح بحكومة أكثرية. وحسابات الأرض والأحجام لن تسمح لا بتكنوقراط ولا بأقطاب. وجنبلاط،أعلن منذ اللحظة أن ال 15-10-5 هي الوحيدة الصالحة.

ماذا فعل الحريري إذن؟ العارفون، يقولون أنه يربح المزيد من الوقت. فيما الوطن وشعبه يخسرانه. أي يخسران الوقت، لا يخسران الحريري طبعاً. والوقت الضائع بين الحسابين، قد يكون مرصوداً لتطورات مفاجئة. مثل صواريخ الجنوب اليوم. وهي صواريخ صوتية، تعزز صراخ نتنياهو برفض مشاركة حزب الله في حكومة الحريري. وتعزز بالتالي موقعَ الأخير، في التفاوض، أو فعلاً، في التهويل بالرد الاسرائيلي. علماً أن اسرائيل سارعت الى تشميع رأس الخيط له. فأعلنت تحميلها الحكومة المسؤولية. غداً تخرج أصوات الجوق منسَّقة مجتمعة. ويدور طحنُ الكلام مجدداً، على فراغ.

[Jess]

الحريري أضاع فرصة اللبننة و كل العوامل الخارجية دخلت على الخط.


تعقَّدَت. لا بل تعقَّدَت كثيراً. هكذا تبدو الصورة، في الحدِّ الزمني الوَسَطي، بين اعتذارِ الحريري، واستشاراتِ التسمية.
تعقَّدَت، لأنَّ الحريري ذاتَه، لم يَعرِف بعد، ما إذا كان سيرشِّحُ نفسَه، أم لا. في ظلِّ إشاراتٍ غريبة: صحيفَةٌ سعودية من هنا، لا تؤكِّدُ حصريةَ التسمية، بل ترجِّحُ أن يكونَ هو أو سواه. ومحمد الصفدي من هناك يقول إنه مستعدٌ للحلول محل صاحب السما الزرقا. ونجيب ميقاتي من هنالك، في جهوزيَّةٍ كاملة لاقتناصِها، تماماً كما في نيسان 2005.
وتعقَّدَت كثيراً، لأنَّ مَن راهَنَ عليهم الحريري، أبلغوه ثوابِتَهم: حكومة وحدة، وعلى قاعدة 15-10-5. هكذا قالها جنبلاط. وهكذا جَزَمَ بري، في صيغةٍ لافتة، يكاد يُفهَمُ منها أنَّ رئيسَ مجلسِ النواب، يربُطُ تسميَتَهُ للحريري، بموافقَةِ الأخير على هذه الصيغة، وعلى هذه الوحدة في الحكومة.

وتعقَّدَت أكثر، لأنه على ما يبدو، ضاعت فسحةُ اللبنَنَة وفرصتُها، لتشكيلِ الحكومة. أضاعها الحريري بين الرياض وجدة ونيس، وبين مناوراتِه الإعلامية لإحراجِ ميشال عون، أو إحراقِ جبران باسيل. ففي هذه الأثناء، كانت معطياتٌ جديدة تتكوَّن: رسالةٌ أمنيةٌ في الجنوب مفتوحَةٌ على المجهول، اهتمامٌ أميركي مباشر، حتى بحقيبَةِ الاتصالات. ميتشل آتٍ إلينا وعينُه على انضوائنا في أيِّ استئنافٍ محتملٍ للمفاوضات. حمد بن جاسم يتابع أزمتنا من باريس، ويتحضر للوصول الى دمشق، مع إعلان استعداده لزيارة بيروت، إذا أجمعت النيات، أو إذا عدنا الى 5 أيار، كي يعيدَنا في طائرته الخاصة الى الدوحة.

تعقدت جداً. فيما الحريري مصابٌ بعقدة أكثريته. تلك التي صرف عليها مليار دولار. تماماً مثل مُضاربٍ في البورصة. استثمر ملياراً في سهمٍ ما. قبل أن يستفيق في اليوم التالي، أو بعد 73 يوماً، لا فرق، ليجدَ استثمارَه وقد فقد نصف قيمته. فيظل رافضاً للاعتراف بالخسارة، ومصراً على استرداد المليار. فيما تعنته يفقدُه أكثر فأكثر، يوماً بعد يوم.
هكذا هي حال الحريري، صاحبِ أكثرية المليار، في لحظة ضياع المليار... والأكثرية.

[Jess]

صدرت الأوامر الأميركية بوقف الحراك السعودي، فانعكس إرباكاً على مواقفُ الفريق الحريري

ليست مناوراتٍ، بل إرباكاً هو، ما تظهرُه مواقفُ الفريق الحريري المتباينة: نائبٌ مستقبلي يقول في البقاع، أن قرارَ التسمية لم يُتخذ بعد، وأن الخياراتِ كافةً متاحة. فيما يخالفهُ نائبٌ مستقبليٌ آخر من عكار أو من صيدا، بأن التسمية حُسمت، وهي واقعة حتماً على الحريري. من جهة أخرى، يهدد الحريري بالقول حرفياً، أن خيارَه في المفاوضات سيكون مختلفاً جداً في المستقبل. فيما يؤكد وليد جنبلاط أن صيغة ال 15-10-5 هي وحدُها المقبولة، وحتى سمير جعجع يعلن أن فريقَ قريطم لا يريد الانقلابَ على هذه الصيغة.

إنه الإرباك، لأن الإرسالَ السعودي معطَّل. وهو كذلك، منذ اعتبرت واشنطن، أن تهافت الرياض في اتجاه دمشق، ارتكب خطأً في التوقيت والمعايرة، أي دوزاج. ولم يكن ينقص ذلك الخطأ، وفق التقدير الأميركي، إلا انقلابُ جنبلاط. فصدرت الأوامر الأميركية بوقف الحراك السعودي. فبات الحريريون في بيروت، مثل ممثلٍ مبتدئ، وُضع على الخشبة، ثم اختفى من يلقنه دورُه.
إرباكٌ، استغلته اسرائيل للتهويل. واقتنصه نتنياهو للعودة على خط تأليف الحكومة اللبنانية.
ولأن الوضعَ بدأ يسخن على أكثر من صعيد، من عكار وطرابلس، الى الجنوب، مروراً ببيروت، تحرك الإطفائي القطري. ففي معلومات خاصة بالotv أن زيارة حمد بن جاسم الى باريس، للتباحث مع ساركوزي في احتمالات التوسط لبنانياً، تزامنت مع زيارة موفدٍ قطريٍ الى بيروت، ظلت بلا إعلام. وجال الموفدُ المذكور على الأطراف اللبنانيين كافة، مستمعاً، ومستكشفاً إمكانَ قيامَ الدوحة بمبادرةٍ ما، في حال توافر إجماع حولها.

وتلاحظ المعلوماتُ نفسُها، أن انتقالَ حمد بن جاسم من باريس الى دمشق، يشكل مؤشراً الى تقدم ما، كما الى تقديرٍ قطريٍ إيجابي، للأجوبة التي جمعها موفدُها في بيروت.
هل ترتبط حكومتُنا العتيدة إذن، بما يمكن تسميتُه دوحة 2، أكان مسرحُها في بيروت أو في الدوحة؟ هكذا يبدو الاتجاه. ومؤشرُه الأول موقف نبيه بري، الذي يبدو أنه يشترط تعهدَ الحريري صيغةَ 15-10-5، ليذهبَ الى تسميته في استشارات الثلثاء المقبل.
دوحة2، تبدو ضرورية، في ظل جمود الداخل، وخصوصاً في ظل حركة نتنياهو ومواقفه التصعيدية والتهديدية

[Jess]

الدورةٌ الثانية للامتحاناتِ الرسمية تبدأ غداً، والحريري ذاهب اليها من دونِ القيامِ بفروضٍ اساسية

أفضلُ تعبيرٍ لوَصْفِ ما سيحصَل في قصر بعبدا يومَي الثلثاء والأربعاء المقبلَين، هو التعبيرُ الفرنسي الذي تستعملُهُ اللغةُ الإنكليزية أيضاً:
deja vu.
أي أنه مشهدٌ سبق أن شاهدناه. وشاهدناهُ تحديداً يومي 26 و27 حزيران الماضي. يومَ انتهت استشاراتُ التكليف الأولى، الى إعطاءِ سعد الدين الحريري 86 صوتاً، والى صدورِ بيانٍ عن رئاسَةِ الجمهورية، بتكليفِهِ تشكيلَ الحكومَةِ المقبلة. عِلماً أنَّ رئيسَ الجمهورية لم يُصدِر مرسوماً رئاسياً بذلك. على قاعدة أنَّ مرسومَ التكليف، يَصدُرُ مع مرسومِ التأليف، الأمرُ الذي لم يحصَل، بعدما أجهضَهُ الحريري باعتذارِهِ يومَ الخميس الماضي.

لكنَّ المفارقة، أنَّ هذا المشهد المُستعاد، هو في الوقتِ نفسِه، مشهدٌ غيرُ مسبوقٍ في تاريخِ لبنان الدولة المعاصرة. إذ لم يسبق أن اعتذرَ رئيسٌ مكلَّف، ثم رشَّحَ نفسَه ثانية. ولم يشهد لبنان تكليفَ الشخصِ نفسِه مرتَين، كأنها دورةٌ ثانية للامتحاناتِ الرسمية.

خصوصاً أنَّ المرشحَ الوحيد لهذه الدورة الثانية، يُعلِنُ مسبَقاً، أنه سيكون أقلَ استعداداً للامتحان، مما كان عليه في الدورةِ الأولى. ويجاهِرُ، بل يفاخر، أنه سيذهب الى فرصَتِهِ الثانية، , وربما الأخيرة، من دونِ القيامِ بفروضٍ اساسية، كانت سببَ رسوبِهِ في الدورَةِ الأولى. كما لو أنه سها عن باله، أن المطلوب منه النجاحَ في تلك الفروض تحديداً، لا القفزَ فوقَها. وكأنه لم يُدرِك بعد، أنَّ موادَ امتحانِه في حكومَةِ الوحدَةِ والشراكة، هي مواد إلزامية، لا اختيارية. وعلامَتُها لاغية، لا مُلغاة. وإذا رسب فيها ثانية، لا استلحاقَ له هذه السنة. إلا إذا كان الحريري قد قرَّرَ فعلاً انتظارَ السنَةِ المقبلة، أو أيّ سنة أخرى قد يحسبها أكثرَ ملاءَمَةً لكفاءََتِه.
يذهب الحريري غداً الى الامتحان، وهو ينام على 73 نقطةً مضمونة. فيما المعدلُ المطلوبُ للنجاح في الوحدَةِ والشراكَةِ والميثاقية، لا يُقاسُ بالأرقام، ولا بالأعداد. كما سبق وادَّعى الحريري نفسُه. معدلُ النجاح، مرتبِطٌ بالقيمَةِ المضافة التي تعطيها جماعات هذا الوطن. عَبر من يمثلها فعلاً. لا عَبر مَن يمثل عليها، أو قُيِّض له في غفلة، أن يمثُلَ فيها، وهي حية.
73 نقطةً مضمونة، لكن تنقصُها قيمٌ مضافةٌ أساسية، إلزاميةٌ، ضروريةٌ، ولاغيةٌ لأيِّ محاولَةِ غشٍ أو تلاعب عند الامتحان

[Jess]

استشاراتُ اليوم الأول جرت على قاعدة التعامل بالمثل التي أطلقها الحريري مهدداً متوعداً



على قاعدة التعامل بالمثل، التي أطلقها سعد الدين الحريري مهدداً متوعداً، جرت استشاراتُ اليوم الأول من الدورة الحريرية الثانية - حكوميات. ملائكة الحريري - أو ما يشبهها- كانت حاضرة منذ مطلع النهار. وبدأت بشارتها باكراً مع فريد مكاري، الذي قرأ نصاً طويلاً كُتب له بخط عريض. وفي خلاصته استمرارٌ للتهديد: هذه المرة ستكون الأمور مختلفة.

وبالفعل، لم يتأخر الاختلاف. إذ صعد نبيه بري، ثم كتلته. وامتنعا عن التسمية. ما يكرس منذ الآن، حصولَ تكليف الحريري، وهو مشوب بعيب ميثاقي كبير، ألا وهو انتقاصُه لموافقة جماعة لبنانية اساسية، هي الجماعة الشيعية. وما لم يعبِّر عنه الامتناع، فضحته المصافحة الباردة بين بري والحريري، تظهيراً للدعسة الناقصة الإضافية التي ارتكبها سيد قريطم. في ظل معلومات عن أن البيان الصادر عن كتلة التحرير والتنمية أمس، كتبه الرئيس بري بخط يده، بعدما انتظر اياماً وليالي، من يكذِّب إرهاصاتِ الإفطارات الحريرية، وتصعيدَها المستهجن.

لكن المفاجأة جاءت ظهراً. وتمثلت في وصول العماد ميشال عون، يرافقه الوزير جبران باسيل الى القصر، لينضما الى مائدة الغداء الرئاسية.
أوساط مطلعة على اللقاء أكدت لل
otv
أنه جاء نتيجة مبادرة طيبة من رئيس الجمهورية، نقلها الوزير باسيل الى الرابية أمس، لتلقى ترحيباً وموافقة فوريَّين من الجنرال. أما عن المضمون، فأشارت الأوساط نفسها، الى أنه تميز بتوافق كامل وتطابق تام في وجهات النظر، حيال الأزمة الراهنة، وأسبابها ومفاتيح حلولها. على قاعدة احترام حقوق الأطراف السياسية كافة، وعدم القفز فوقها، أو محاولة تحجيمها أو تشويهها أو تبديل قواعد تمثيلها، لا في المواقع، ولا في الأشخاص. وأضافت الأوساط لل
otv،
أن هذا التوافق، هو ما سمح بالانتقال الى البحث في مسائل أكثر أهمية، وصفتها بالاستراتيجية. مثل استقرار النظام اللبناني، وموقع رئاسة الجمهورية فيه، وكيفية تعزيز دورها وتمكينها من القيام بالمطلوب منها ميثاقياً ودستورياً.

يبقى السؤال، ماذا عن أفق الدورة الحريرية الثانية - حكوميات؟ الجواب متروك لأداء الفائز بتكليفها هذه المرة، على حدود المعدل العام، أو حتى بنقاط الاستلحاق السعودية، التي ألزمت وليد جنبلاط البقاءَ حيث لم يعد موجوداً، ولا مقتنعاً ولا ممارساً. فإما أن يعتبر المكلَّف الجديد القديم، من دورته الأولى خلال أيام قليلة. وإما عليه أن ينتظر ما بعد عيد الفطر، وما بعد سفر الرئيس الى السعودية ومن ثم نيويورك، وما بعد ما بعد ذلك.

[Jess]

الى الرابية سيذهب الحريري مجدداً. ليجيب على سؤال عون: إذا كانت مشاركتنا في الحكومة حاجة أو ضرورة، فأين المشكلة في دفع ثمنها؟




بلغة هادئة، مغايرة للغة إفطارات قريطم وعكار وإقليم الخروب، أعلن سعد الدين الحريري من قصر بعبدا، قبوله التكليف الثاني بتشكيل الحكومة. بعدما نال 73 صوتاً فقط. الكلام السياسي الفعلي الأول للحريري بعد التكليف، كان تلميحه الى امتلاكه أربعة خيارات: حكومة وفاقية، أو حكومة تكنوقراط، أو حكومة أقطاب، أو حكومة اللون الواحد، والتي سماها في كلمته توريةً، حكومة برلمانية. غير أن الرئيس المكلف، وأكثر من نصف أصوات تكليفه ال73، يدركون أن هذا الكلام شكلي لا غير. فيما الخيار الوحيد المتاح، هو العودة الى صيغة 15-10-5.

والعودة تحديداً الى أصول الحكومات الوفاقية. ولأنه يدرك هذا الواقع ربما، سارع الحريري الى إعطاء نفسه مهلة أسبوع، قبل أن يبدأ استشارات التأليف. متخطياً بذلك فرصة عيد الفطر، ومستغلاً هذه العطلة، لتأتي جولته البروتوكولية على رؤساء الحكومات السابقين، في سياق المعايدة. لكن محطة واحدة لن تكون كذلك. محطة واحدة لن تفهم على أنها معايدة. محطة واحدة تهرب منها الحريري طيلة 73 يوماً، قبل أن تعيده إليها أصوات النواب الثلاثة والسبعين. الى الرابية سيذهب الحريري مجدداً. ليجيب على السؤال الصريح الذي طرحه ميشال عون اليوم: إذا كانت مشاركتنا في الحكومة حاجة أو ضرورة، فأين المشكلة في دفع ثمنها؟ وإذا لم تكن كذلك، فلماذا لا تشكلوا الحكومة لوحدكم؟
73 يوماً. 73 صوتاً...يمكن للحريري أن يختصرها في يوم، في صوت. يَكفيهِ أن يقولَ غداً في الرابية : نعم للوفاق والتوازن الحقيقيين. ليستحق عندها أمانة الاستشارات.

[Jess]

لقاء الرابية، اتفاق على التهدئة تخرقه اصوات قريطم

في اليوم الأول بعد تكليفِهِ الثاني، جال سعد الدين الحريري على رؤساءِ الحكوماتِ السابقين. الجولةُ بروتوكوليَّةٌ في المبدأ. لكنها تضمَّنَت محطتَين لافتتَين، في الواقع. عند فؤاد السنيورة أدلى الحريري بتصريح، أبرزُ ما فيه تأكيدُهُ رغبَتَهُ التحاورَ مع الجميع، من دونِ شروطٍ مسبَقَة. أما محطتُهُ البارزة الثانية، فكانت في الرابية للقائه السادس مع ميشال عون، والثاني منذ 29 حزيران الماضي. انتهت الزيارةُ بلا تصاريحَ معلَنَة. غير أنَّ أوساطاً مطَّلِعَة على مضمونِ اللقاء، أكدت للotv
أنه تميَّزَ بصراحةٍ كاملة، ومكاشَفَةٍ تامة. ورغم ضيقِ الوقت، كان متسعٌ لإعرابِ الطرفَين، عن رغبَتِهِما في التعاون الكامل، وَفق أصولِ الدستور، كما وَفق مقتضياتِ الميثاق. وتقطيعاً للوقتِ المستقطَع، والمفروض على آليَّةِ التشكيل، حتى ما بعد عيد الفطر وسفرِ رئيسِ الجمهورية وعودَتِه، خرج لقاءُ الرابية بتوافقٍ على تهدئَةٍ سياسيةٍ وإعلامية، تمهِّدُ للعودة الى التحاور، بعد نحو أسبوع.

غيرَ أنَّ التوافقَ المذكور، لم تَصِل مفاعيلُهُ على ما يبدو الى الأصواتِ المحسوبة على الحريري. إذ خرجت مجموعةٌ كاملةٌ منها، تستعيدُ لغةَ التحذيرِ والتهويل، وحتى التخوين والتهديد. نائبُ طرابلس الحريري، محمد كبارة، استعاد لغةَ ما سمَّاه سلاحَ الغدر، وعدمَ السماحِ له بالمشاركة في الحكومة، كما قال. وصولاً الى لازِمَةِ إيران وسوريا، التي كان كبارة نائباً في ظل ضباطِ مخابراتهِا، طيلةَ عقدٍ ونيف. زميلُهُ الحالي في المدينة، والسابق في النيابة، مصطفى علوش، ذهب الى اتهام الشيعة بمحاولة تعديل الطائف. زملاؤهما: زهرمان ورحال وحبيب وحوري، لم يتأخروا في الهجوم على قوى المعارضة. حتى كان تتويجَ التهدئة، مع الجوزو ما غيره، الذي خرج من عند السنيورة ناعياً الديمقراطية التوافقية في لبنان، وداعياً الحريري الى تشكيل حكومة أكثرية.

من يصدق اللبنانيون؟ رغبة الحريري في التهدئة؟ أم هجمة أصواته على التعبئة؟ أيامٌ قليلة ستكون كافية لمعرفة الحقيقة. خصوصاً أن البلد أصغر من أن يتسع للغة مزدوجة، وأكبر بكثير من أن تحكمه لهجة واحدة. عملياً، دخلنا أجواءَ الفطر. وأجواءَ اتفاق الرابية حول التهدئة. بعد العيد، لكل حادثٍ حديث، على أمل ألا يكونَ في الشارع من يخطط لتطبيق قاعدة، لكل حديث...حادث.

[Jess]

كما كان متوقعاً، سافر الحريري الى السعودية. وهو لن يعود قبل نهاية فرصة عيد الفطر. وكما كان متوقعاً ايضاً، التزم الحريري بالصمت، انطلاقاً من اتفاق التهدئة الذي أبرمه فبل سفره، مع أركان المعارضة، وخصوصاً بعد زيارته البروتوكولية الى الرابية. وكما كان متوقعاً أيضاً وأيضاً، بدت مفاعيل هذا الاتفاق سارية على مختلف تشكيلات المعارضة، أقطاباً ووزراء ونواباً وقياديين.

لكن، وكما كان متوقعاً أيضاً وأيضاً وأيضاً، استمر الفريق الحريري في تسجيل خروق واسعة في الهدنة الهشة. لكن اللافتَ كان اليوم، في نوعية الأصوات التي انبرت الى الخرق، كما في مستوى خطاب التعبئة المذهبية التي استخدمته.

ذلك أن اتهام النائب أحمد فتفت للمعارضة بنيَّة تعديل النظام أو الانقلاب على الطائف، يُعتبر ضمن الهامش الحريري الشعبوي المتعارف عليه. كذلك كلام النائب الحريري الآخر، جمال الجراح، عن أن المعارضة مرتهنة لما سماه: المحور السوري الإيراني. وهو كلامٌ يندرج ضمن الحاجة الشخصية ربما للنائب الجراح، في تحويل الأنظار عن كونه نسيباً لصيقاً للإرهابي زياد الجراح، أحد مرتكبي مجازر 11 أيلول. وهو الإرهابي نفسه الذي تبنت مجموعته عملية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان قبل ايام. حتى كلام المسؤول الإعلامي في تيار المستقبل، عن وصف أسلوب ميشال عون بالصهيوني، مفهومٌ ، على خلفية التعمية ومحاولات الإخفاء لما كان يحصل ولا يزال، بين عمان والقاهرة وبيروت.

غير أن المستجد، هو إدخال الفريق الحريري للأصوات المعمَّمة، على خط التعبئة. وإدخالها تحت عنوان التحريض المذهبي تحديداً. إذ سُجِّل كلامٌ لأحد المفتين يقول: أن المعطلين لتشكيل الحكومة يقفون في وجه طائفة بكاملها، ويعملون على إلغاء دورها وسلب حقوقها. فيما كان مفتٍ آخر يعلن أن ما يحصل هو استضعافٌ لطائفة واستقواءٌ عليها. وفيما لم يشرح المفتيان طبعاً، أين وجدا هذا الاستهداف لطائفتهما، لم يتورَّعا عن الدعوة الى قيام حكومة من لون واحد.

لكن الجواب على هذا الخطاب لم يتأخر، فجاء على لسان السيد حسن نصرالله: لا مصلحة لأحد إطلاقاً في هذا التوتير، وليتوقفوا عن التآمر على الشعب الفلسطيني، و...حِّلوا عن المقاومة.