ابتسم أنت قوّاتي

[H@SSàN]

الأخبار - غسان سعود

لا يترك رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع فرصة إلا يتحدث فيها عن دور الشباب في حزبه ومكانتهم المميزة واحترام تضحياتهم، محاولاً «التزريك» بطريقة غير مباشرة لبعض شباب التيار الوطني الحر الذين لا تبالي بهم قيادة حزبهم. لكن التنقل بين وزراء القوات ونوابها يبيّن حقيقة احترام أو قلّة احترام جعجع للتضحيات ومراعاته معايير الحرية والسيادة والاستقلال في اختياره هؤلاء، حاله من حال الزعماء والأحزاب اللبنانيّة، التي تدعي حرصها على الشباب ومستقبلهم... بينما تراها تتهرّب من إقرار حق الاقتراع لمن هم في سن 18.

وزير علي الحاج

يبيّن مختبر معراب الخاص لتحليل دم اللبنانيين، الوطنيّ – الحرّ – السيّد والمستقل من غير الوطني (...). وفي معراب غرفة إعلام متخصّصة بنشر نتائج الفحوص. بحسب هذا المختبر فإن اللواء علي الحاج عميل، مرة لسوريا ومرات لحزب الله. أما تلميذ الحاج أو الوزير سليم وردة فوطني، يقول المختبر نفسه. بتوجيه من الحاج، خاض وردة انتخابات غرفة التجارة والصناعة في مدينة زحلة وخسر. ثم خاض بتوجيه من الأستاذ نفسه الانتخابات البلدية عام 2004 مرشحاً توافقياً في وقت كانت فيه القوات تخوض مع الوطني الحر والكتائب معركة في وجه اللائحة المدعومة من الرئيس إلياس الهراوي. ولاحقاً، سافر وردة إلى باريس ليقنع العماد ميشال عون بتبنّي ترشيحه إلى الانتخابات النيابية. وبعيداً عن عدم وجود أي «محطات نضالية» في سجل وردة يعتدّ بها شباب القوات، يبدو لافتاً احترام القوات للكفاءة المهنية، فهي اختارت لوزارة الثقافة شاباً أنيقاً باءت محاولاته الحصول على شهادة في إدارة الأعمال من الجامعة اليسوعية، أكثر من مرة، بالفشل.

أرثوذكسي للموارنة

أقله حسم وزير الثقافة سليم وردة في نهاية الأمر موقفه، قال أنا قوات. زميله (وزير العدل) إبراهيم نجار لم يتصالح مع نفسه بعد. اعتاد نجار بين عامي 1994 و2005 المشاركة في التظاهرات التي كانت تنطلق من الجامعة اليسوعية للمطالبة بالحرية والسيادة، بعينيه: يراقب التظاهرة من خلف الشباك، رافضاً السماح لطلابه بمغادرة القاعة للمشاركة. وهو أيضاً دافع عن رئيس الهيئة التنفيذية في القوات سمير جعجع خلال محاكمته، بالقلب. وكان يمكن نجار، باعتباره وزيراً قوّاتياً للعدل، أن يطلب إعادة النظر بمحاكمة جعجع في ظل تأكيد الأخير أن «قضاء الوصاية» كان وراء النقاط السوداء على سجله العدلي. اللافت أن نجار بالنسبة إلى القوات هو وزير زحلاوي ــ ماروني. أما الوقائع فتثبت أن والد نجار كان زحلاوياً لكنه تزوّج بكورانية، ولاحقاً انفصل الزوجان فبقي نجار مع والدته في الكورة حيث تربّى وتعلم وكبُر معتنقاً الأرثوذكسية. أما سياسياً، فلكل مقام بطاقته الحزبية: قبل الظهر كتائبي وبعده قواتي. وبين الاثنين مهني لا ينتمي إلى حزب.

قواتي برتقالي

من الوزراء إلى النواب، تطلق القوات على النائب جوزف صعب اسم جوزف معلوف باعتبار أن آل معلوف عائلة زحلاوية شهيرة. ولمعلوف محطات ناصعة في «النضال»، كي تبدو الطريق السياسية التي سلكها قريبة جداً من تلك التي سلكها الوزير وردة. فلا أحد من ناشطي القوات كان قد سمع بهذا الاسم حتى تبنّي سمير جعجع لترشيحه. ففي الانتخابات البلدية عام 2004 كان صعب يلوّح بالعلم السوري وعلى صدره صورة اللواء جميل السيد، داعماً لوالده المرشح إلى الانتخابات البلدية على اللائحة المدعومة ممّا تسميه القوات «الاحتلال السوري» (كانت أيام «الاحتلال» تسمّيه الوصاية السورية) في وجه اللائحة المدعومة من القوات. وبعد اغتيال الحريري، حاول صعب أن يركب التسونامي، باذلاً الجهد لإقناع العونيين بتبنّي ترشيحه عبر إكثاره من ارتداء ربطات العنق البرتقالية كما تظهر صوره على الفايسبوك. وبعيداً عن السياسة، ليس لصعب في سيرته الشخصية أية خانة مخصّصة للعمل الإنمائي فهو حتى انتخابه نائباً عام 2009 كان يعمل مدرّساً في الكويت.

بأمر فرعونيّ

شانت جنجنيان قواتيّ أيضاً و... نائب عن قضاء زحلة أيضاً. لا يشكك أحد في حيثيته الشعبية، فقد حصد في الانتخابات النيابية السابقة نحو أربعمئة صوت! لكن برغم تذمّر بعض الزحلاويين من عدم سخائه، هناك إجماع على أنه الأهضم وسط نواب القوات وأسلوبه في التنكيت يضحك مهما بلغ سوء النكتة. ويكفي المشككين أن يعلموا أن شانت الصديق الصدوق للنائب عقاب صقر، في ظل تأكيد متتبّعي أخبار جنجنيان تذمّره الدائم من اضطراره إلى اقتطاع نحو مليوني ليرة من أجره الشهري مصاريف لمرافقيه. مع العلم أن افتقاد شانت للحيثية الشعبية أو الخبرة الإنمائية أو التشريعية يعوّضه وقوفه عام 2004 في صف المعارضة المسيحية، عكس زميليه الآخرين في كتلة القوات. ويشار إلى تأسيس شانت أخيراً جمعية اسمها «إنساننا»، صدر أمس العدد الأول من مجلتها الشهرية. أما زميله طوني أبو خاطر فمن أبرز الأطباء الزحلاويين، لكن القوات كانت تفضّل المرشحة ماغدا بريدي عليه، باعتباره قريباً من حزبي البعث والقومي، لولا تدخل الوزير ميشال فرعون بقوّة عند الرئيس سعد الحريري.

نائب نائم

من البقاع إلى الكورة، تمرّ الطريق ببشري. أحد ممثّلي هذا القضاء المهجور تشغله الفلسفة عن العمل الإنمائي أو التشريعي، والآخر تشغله قيادة الوطن عن تقديم علاج لتدهور أوضاع البشراويين الاقتصادية (رغم انتعاش جميع المناطق السياحية الأخرى). أما في الكورة، فيقضي ممثل القوات، النائب فريد حبيب، غالبية وقته نائماً. أقلّه هذا ما لاحظه زملاؤه في المجلس النيابي خلال اجتماعات اللجان والهيئة العامة. وهذا ما لاحظه معظم الكورانيين الذين مرّ بهم حبيب معزياً. ويُروى أن عيني حبيب أغمضتا مرة في عزاء أحد الرفاق في بلدة كفرحزير، وإذا به يستفيق بعد بضعة دقائق ليسأل ابن الفقيد عن حال والده. وفي عزاء آخر في أنفة، كان مرافقوه ينتظرونه قرب الباب للمغادرة، فإذ به يسلم عليهم باعتبارهم من أهل الفقيد. وإن ينسى أهل الكورة فلا ينسون عزاءً أتاه حبيب بعد جولة له على المسلمين لتهنئتهم بعيد الأضحى، فبادر أهل العزاء بالقول: كل عيد وأنتم بخير.

القواتيّ الجديد

ملّ المنتظرون. منذ سنوات يتحدث المسؤولون في القوات اللبنانية عن ناشطين حزبيين، من طراز نادر، يصقل الحزب مواهبهم في معهد خاص ليُتقنوا مخاطبة الرأي العام وتنظيم المجموعات الحزبية والتفاعل مع الكاميرات. لكن يبدو أن المنهج الدراسي والامتحانات أصعب من أن يجتازها أحد القواتيين. فبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على بدء الكلام على تلك المعاهد، لم يحظ اللبنانيون بفرصة التعرف إلى «القواتي الجديد» المنتظر في إتقانه مخاطبة الرأي العام اللبناني، لا البشراوي فقط، وتنظيمه المجموعات الحزبية بغير الطريقة الميليشياوية، وتفاعله مع الكاميرا بمرونة تتجاوز منطق «أكيد أكيد أكيد» و«إلى أبد الآبدين، أمين».
ويبدو أن وصول «القواتي المنتظر» سيتأخر أكثر مع بدء العمل على تحويل الحالة الجعجعية إلى حزب ديموقراطي لم يعرف العالم العربي له مثيلاً. وفي المؤسسة المنتظرة سيظهر أصحاب المواهب المصقولة. اللافت أن ما كان يُحكى قبل سنوات عن الناشط المعجزة، يتردد اليوم عن «الحزب المعجزة»، وليس على المؤمنين بصدقية القوات إلا الانتظار.

رضى الست

للكفاءة في القوات اللبنانية ثلاثة معايير، أوّلها رضى الست (أو النائبة ستريدا جعجع) عن الناشط، إذ تثبت التجارب (وأهمها واحدة كسروانية) أن لا شيء يعوّض الناشط عن رضاها، لا علاقات سياسية ولا قدرات إعلامية ولا ديناميكية حزبية ولا نشاط على الأرض. رضاها أو لا شيء آخر. ثانيها، موازنة الناشط بين «قدّيسي الشرق» و«شياطينه». فمن المدارس إلى الجامعات فالمناطق، يفترض الأخذ دائماً بالاعتبار أن احتمال دق الخطر على أبواب المسيحيين وارد في أيّ لحظة. واللافت أن الناشطين في القوات لا يشعرون بانفصام في الشخصية من توأمة الشيطنة والقدسية التي تسكنهم. ثالث معيار كفاءة هو انتماء الناشط في القوات إلى قضاء بشري، فحتى في الأشرفية الأولوية للمنحدر من أصول بشراوية أو من دير الأحمر أو من القرى المارونية في الكورة. القواتي الكفؤ هو المتمتّع بواحدة أو أكثر من هذه المعايير. يجوز لمن لا يتمتّع بالمعيار الثاني أو الثالث أن يتسلق السلم الحزبي، أما المفتقد المعيار الأول فلا مكان له في القوات. قال جعجع كلاماً بهذا المعنى لأكثر من مناضل سابق.

وقف التبرعات

القوات اللبنانية: كفاءة في الوزارة، استحقاق في النيابة، صقل للمواهب في القيادة ومؤسساتية حزبية. ينغّص الوزير ميشال فرعون على جعجع فرحته في استنباط الشعارات، يمنعه من الترداد «حزب الأكثرية المسيحية». حال فرعون دون ضم جعجع إلى كتلته النائب سيرج طورسركيسيان ونايلة تويني وجان أوغاسبيان ما دام يوازن الرئيس الحريري بين تبرّعه بالمال وتبرّعه بالنواب. ولم يكتف فرعون بذلك، فبادر إلى إنشاء لقاء مستقلي 14 آذار لتوفير غطاء لكل من لا ينتمي إلى تيار المستقبل ممن كان جعجع يحلم بأن تلمّ معراب شملهم. يعجز جعجع عن التصديق، بعد اجتهاده سنتين لإضعاف هؤلاء وتشتيتهم لاجتذاب أنصارهم، يحاول فرعون أن يعيد إليهم الروح. وكيف لجعجع أن يصدق أن فرعون سيرأس تجمعاً نيابياً يضم ضعفي عدد النواب في كتلة جعجع، ليغدو فرعون لا جعجع المسيحيّ الأول في 14 آذار؟ يُمكن الرهان على السعودية أن يكون خاسراً وأن تكون الخسارة قاسية.

Source